الإسلاموفوبيا مصطلح يعبر عن الرهاب
الثقافي والحضاري من الإسلام ، وهي ظاهرة ثقافية مشهورة ظهرت في الغرب مع
ازدياد العداء الحضاري للإسلام ، وفي حقيقة الأمر فإن هذه الظاهرة قد ولدت
مع انهيار الإتحاد السوفيتي السابق في بداية التسعينيات من القرن الماضي ،
كما نص علي ذلك أحد التقارير الصادرة عن مركز رانيميد Runnymede Trust للدراسات
في عام 1997 ، ولكن بدأت أعراض الإسلاموفوبيا في الظهور علي السواد الأعظم
من المثقفين والمفكرين الغربيين بعد أحداث 11 سبتمبر ، وكان هذا الرهاب
المرضي من المفردات الثقافية الإسلامية مبرراً آنذاك في الغرب بأنه نوع من
الدفاع الذاتي عن مكتسبات الحضارة الغربية الحداثية التي أصبحت مهددة –
بزعمهم – بواسطة الإسلام. ومما لاشكل فيه أن الزخم الثقافي المتخم
بالإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة كان أهم طرق الحشد الجماهيري لتأييد
غزو العراق وأفغانستان مع النقص الفاضح للأدلة التي تثبت ضلوع تلك الدول في
أحداث سبتمبر ، أما علي الجانب الأوروبي فاتخذت الإسلاموفوبيا في الأعوام
الأخيرة طابعاً مختلفاً إلي حدٍ ما ، فقد أصبحت تلك الظاهرة المرضية مبرراً
لكل القرارات والقوانين المناهضة لمفردات الثقافة الإسلامية علي أرض
أوروبا ، ولايزال التبرير الرئيسي لهذه القوانين أن الثقافة الإسلامية تهدد
الليبرالية التي تعتبر من أهم مكاسب الحضارة الغربية الحداثية ، لأن
الثقافة الإسلامية تطالب المنتمين لهذا الدين بتطبيق العديد من الأحكام
والتشريعات الأخلاقية والسلوكية في حياتهم الشخصية والاجتماعية ، بخلاف
الليبرالية التي تهمل أو تهمش أية أحكام أخلاقية أو سلوكية غير مستقاة من
النظام القانوني الوضعي للدولة.
ربما يكون هناك العديد من الأدبيات تصف (أعراض) الإسلاموفوبيا خلال العقد الأخير مثل كتب كريس آلن Chris Allen و رون جيفز Ron Geaves وأندرو شريوك Andrew Shryock ،
إلا أن معظم تلك الأعراض التي تصفها هذه الأدبيات تري الإسلاموفوبيا من
وجهة النظر الغربية بطبيعة الحال ، أما إذا نظرنا لهذه الظاهرة من وجهة
النظر الإسلامية – وهو ما يهمنا في مصر نظراً للطبيعة الديموجرافية
والجيوسياسية للبلاد – فسنجد أن أعراض الإسلاموفوبيا تتلخص في الآتي:1- التسليم ابتداءاً بالتفوق المطلق للحضارة الغربية الحداثية علي الحضارة الإسلامية من حيث الدوافع والمنطلقات والمكتسبات.
2- التفاعل مع مكتسبات الحضارة
الإسلامية الأخلاقية والاجتماعية بردود أفعال مماثلة تماماً لتلك التي
تفاعل بها مثقفو عصر التنوير الأوروبي مع الفشل الأخلاقي والاجتماعي
للحضارة النصرانية في أوروبا.
3- رؤية التاريخ الإسلامي والتراث
الحضاري للمسلمين من منظور استشراقي بحت ، وانعزال تام عن قدسية نصوص
الوحيين واجتهاد علماء المسلمين طوال تاريخ الإسلام.
فالتسليم بالتفوق المطلق للحضارة الغربية –
بالنظر إلي مكتسباتها المادية فقط – علي الحضارة افسلامية – مع إهمال كل
مكتسباتها ودوافعها – ينتج لنا رفضاً تاماً لمقتضي التسليم بقدسية نصوص
الوحيين ، وهو تحكيم الشريعة المستمدة من تلك النصوص المقدسة. أما التفاعل
مع عناصر الحضارة الإسلامية بنفس ردود أفعال التنويريين الأوروبيين تجاه
عناصر الحضارة النصرانية فينتج لنا إنكاراً مطلقاً لكل أوجه الإختلاف
الواقعية بين الإسلام والنصرانية من حيث أصالة النصوص ومقاصد وعناصر
التشريع ، أما العرض الثالث والأخير للإسلاموفوبيا ، وهو تبني الرؤية
الإستشراقية للتاريخ الإسلامي فيمثل الطريقة الرئيسية لنشر (عدوي)
الإسلاموفوبيا في المجتمع
.
نشأت حركة الإستشراق كرد فعلي أوروبي
للتفوق الإسلامي الذي تبدي بوضوح شديد من خلال فتوحات الدولة العثمانية
العسكرية وتفوقها الحضاري والعلمي علي البلدان الأوروبية التي كانت شعوبها
حينئذ ترزح في أغلال الجهل والتخلف والمرض ، وكانت أهداف حركة الإستشراق
التعرف علي عناصر الحضارة الإسلامية وتاريخها ، ومحاولة إيجاد – أو اختلاق –
مواطن الضعف في هذه الحضارة بهدف محاربتها فكرياً وثقافياً ، وهذه الأهداف
نص عليها العديد من كبار المؤرخين والمفكرين مثل الأستاذ محمود شاكر
والأديب مصطفي صادق الرافعي – رحمهما الله – وغيرهما الكثير ، لهذا فإن
أدبيات الإستشراق لم تكن تقف علي أي قدر من الحياد من حيث الدوافع ومنهج
البحث العلمي ، لهذا فإننا نري أن نواتج أدبيات الإستشراق تتعارض تماماً مع
ثوابت الشريعة ومفردات الحضارة الإسلامية التي استقر عليها الوعي الإسلامي
لما يزيد عن أربعة عشر قرناً من الزمان ، وقد يتجلي للقارئ هذا التعارض
بوضوح شديد عند تأمل أعمال تشارلز ميلز Charles Mills و جوستاف فلوجل Gustav Flügel ومكسيم رودنسون Maxime Rodinson حيث
يتبدي الرفض القاطع لفلسفة الإسلام القائمة علي محورية العقيدة وربطها
الدائم واللصيق بالمنظومات السلوكية والأطر الأخلاقية للفرد والمجتمع ،
فالتشويه المتعمد للتاريخ الإسلامي ، عن طريق استلهام دوافع الإستشراق
ومنهجه البحثي القائم علي الإنتقائية التاريخية والغياب التام لقدسية نصوص
الوحيين عن تفسير السياق التاريخي والأسس الحضارية للإسلام هو النتاج
الحقيقي للغالبية الساحقة من أدبيات الإستشراق.
دعاة الليبرالية اليوم في مصر هم
الامتداد التاريخي لحركة الإستغراب التي أسسها الطهطاوي في بداية القرن
التاسع عشر ، ونمت وترعرعت خلال القرن العشرين ، وبالتالي فإن أطروحات
هؤلاء الليبراليين اليوم تماثل في المنهج الفكري والنسق الفلسفي أطروحات
أسلافهم المتأخرين والمتقدمين ، فكما رأينا التسليم التام بالتفوق المطلق
للحضارة الغربية في كتابات الطهطاوي ، نراه مجددا في كتابات العديد من
الليبراليين اليوم ، وكما رأينا التتبع الأعمي لمنهج المستشرقين البحثي
ونسقهم الفلسفي في أدبيات طه حسين ، نراها اليوم أيضاً في كتابات بعض
خلفائه من (الأدباء) ، فالاستغراق في استلهام أدبيات الإستشراق ونتاجه
الفكري ونسقه المعرفي إنما يثبت شيئاً واحداً فقط ؛ أن الليبراليين اليوم
يحملون عدوي الإسلاموفوبيا بشكل مؤكد ، ويسعون لنقل هذه العدوي بنفس
الطريقة التي استخدمها المستشرقون في (إمراض) الجيل الأول من المثقفين
المصريين المستغربين خلال القرن التاسع عشر ، والإسلاموفوبيا – كظاهرة
اجتماعية وثقافية في الغرب – تمثل بالنسبة لنا في مصر عامل الهدم الرئيسي
لأي محاولة جادة لإعادة بناء الحضارة افسلامية المتهدمة في بلادنا ، وعلاج
التخلف الثقافي الذي أصب مجتمعنا بسبب استشراف ثقافة لاتمت لتاريخنا
وحضارتنا بصله ، واعتناق بعض الأسس الحضارية التي ترفض مبادئ الشريعة
الإسلامية